( 35 ) دقيقة متواصلة .. لم ينافس فيها حرارة الجوال – والذي اضطريت معها إلى تعاقب وضعه بين أذنيّ اليسرى واليمنى – إلا حرارة حديث المهندس ..

والذي أتاني صوته بعيداً من تلك المحافظة الجميلة .. المسترخية على ضفاف النفود باسترخاء تام .. حيث يقضي عطل نهاية الأسبوع.

سخونة طرحه .. كانت تبيّن بجلاء لمن يسمع .. حديثه .. النزاهة .. الضاربة في ثنايا صوته المتهدج .. عن أساس ووقود التنمية في بلادنا ..

عن المهندسين السعوديين .. ممن يقضي أحدهم سنوات عمره الأكاديمي في دراسة صعبة مستغلقة .. ضمن كلية تعد ضمن كليات القمة في أغلب مجتمعات العالم الأول ..

والذي يعي تماماً مكانة التنمية العمرانية في معيار الحداثة والتقدم ..!

استمر حديثه يؤلمني .. في كل ناحية من عقلي المندهش : (

هل تعرف عزيزي بأن المهندس السعودي العامل بالقطاع الحكومي والذي لم يمنح ربع ما يستحقه .. ولم يعطَ أي مميزات.. مقابل الجهد والمسؤولية التي يتحملها في إدارة وتنفيذ والإشراف على متابعة المشاريع والنهوض بالتنمية العمرانية الكبيرة والتي لم تترك جزءاً من أجزاء المملكة التي شملتها..

دون بوادر لأي مساهمة بتحسين وتطوير وضعنا كمهندسين.

هل تعلم بأن المهندس الشاب الخريّج يتقاضى راتباً يقل كثيراً عن نظرائه ممن يمارس عملاً نظرياً دون أي مسؤولية تقصيرية أو جنائية ..

هل تعلم بأن زملاءنا في إدارة التنفيذ بوزارة النقل يشرفون على مشاريع تزيد أقيامها على ال 10 مليارات ريال برواتب ضئيلة ..

تصبح معها فضيلة نزاهتهم والتي لا يزالون متمسكين بها.. ركناً سادساً من أركان الإسلام بنظري..! )

استمر بحديثه.. قاسي الوقع على مسامعي.. كان الألم نابضاً بين ثنايا حديثه.. عن أولئك النفر القلائل من زملاء الدراسة والمهنة..

ممن كان يدافع وينافح في كل مجلس من مجالس لقاءاتهم البريئة بعد التخرج..

ليتحولوا خلال بضع سنين.. إلى أصحاب الملايين.. والسيارات الفارهة.. ولتذهب القيم والمبادئ.. مع إغراءات الشركات المنفّذة.. وضعف مردود الوظيفة.. إلى الجحيم..!

 

هذا الوضع المأساوي للمهندسين السعوديين .. والذي قد يصنّف بأنه الأسوأ في العالم لطبقة راقية من المهن المتخصصة ..

والتي هي بالطبع شديدة الاحتياج إلى  تحسين بيئة العمل

لوضع حد لتسرب الكفاءات السعودية من العمل الحكومي للقطاع الخاص

والذي أجبر الكثير من الوزارات والهيئات الحكومية للتعاقد مع بيوت الخبرة للعجز الحاصل في عدد المهندسين السعوديين.

– إقرار سلم وظيفي يتعايش مع الوضع المعيشي من ارتفاع الأسعار وغيره.

– إقرار بدلات مثل بدل مؤهل وبدل طبيعة عمل وبدل خطر.

– بدل سكن أو تأمين سكن للمهندس.

– تأمين طبي للمهندس وعائلته.

– إعداد برامج تطويرية للمهندس وجلب الخبرات العالمية في هذا المجال.

اعتقد بأن قارئي العزيز عندما ينتهي من قراءة مقالي .. سيتوقف ملياً عند جواب طفله عما يريد أن يكون عندما يكبر:wink: : ( طبيب أو مهندس ) ..!

 

 * عثمان العيسى كاتب بجريدة الرياض